الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والضمير في: {لهم} عائد إلى قريش.وقيل: إلى اليهود.وقيل: للجميع {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فيكون التذكر سببًا لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم.{الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ} أي من قبل القرآن، والموصول مبتدأ، وخبره: {هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} أخبر سبحانه أن طائفة من بني إسرائيل آمنوا بالقرآن كعبد الله بن سلام وسائر من أسلم من أهل الكتاب، وقيل: الضمير في {مِن قَبْلِهِ} يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والأوّل أولى.والضمير في {به} راجع إلى القرآن على القول الأوّل، وإلى محمد على القول الثاني.{وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ} أي وإذا يتلى القرآن عليهم قالوا: صدّقنا به {إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا} أي الحق الذي نعرفه المنزل من ربنا {إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} أي مخلصين لله بالتوحيد، أو مؤمنين بمحمد وبما جاء به لما نعلمه من ذكره في التوراة والإنجيل من التبشير به، وأنه سيبعث آخر الزمان وينزل عليه القرآن، والإشارة بقوله: {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} إلى الموصوفين بتلك الصفات، والباء في {بِمَا صَبَرُواْ} للسببية أي بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمان بالكتاب الأول والكتاب الآخر، وبالنبيّ الأوّل والنبيّ الآخر {وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة} الدرء: الدفع، أي يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن ما يلاقونه من الأذى.وقيل: يدفعون بالطاعة المعصية.وقيل: بالتوبة، والاستغفار، من الذنوب.وقيل: بشهادة أن لا إله إلاّ الله الشرك {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} أي ينفقون أموالهم في الطاعات وفيما أمر به الشرع.ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو، فقال: {وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ} تكرّمًا وتنزّهًا وتأدّبًا بآداب الشرع، ومثله قوله سبحانه: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72] واللغو هنا هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ولدينهم والاستهزاء بهم {وَقَالُواْ لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم} لا يلحقنا من ضرر كفركم شيء، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء {سلام عَلَيْكُمُ} ليس المراد بهذا السلام سلام التحية؛ ولكن المراد به: سلام المتاركة؛ ومعناه: أمنة لكم منا وسلامة، لا نجاريكم ولا نجاوبكم فيما أنتم فيه.قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال {لاَ نَبْتَغِي الجاهلين} أي لا نطلب صحبتهم.وقال مقاتل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه.وقال الكلبي: لا نحبّ دينكم الذي أنتم عليه.{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} من الناس، وليس ذلك إليك {ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاء} هدايته {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} أي القابلين للهداية المستعدّين لها، وهذه الآية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وقد تقدّم ذلك في براءة.قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وقد تقرّر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيدخل في ذلك أبو طالب دخولًا أوليًا.{وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} أي قال مشركو قريش، ومن تابعهم: إن ندخل في دينك يا محمد نتخطف من أرضنا، أي يتخطفنا العرب من أرضنا يعنون مكة ولا طاقة لنا بهم، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة، وتعللاتهم العاطلة، والتخطف في الأصل: هو الانتزاع بسرعة.قرأ الجمهور: {نتخطف} بالجزم جوابًا للشرط، وقرأ المنقري بالرفع على الاستئناف.ثم ردّ الله ذلك عليهم ردًّا مصدّرًا باستفهام التوبيخ والتقريع فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا} أي ألم نجعل لهم حرمًا ذا أمن؟ قال أبو البقاء: عدّاه بنفسه؛ لأنه بمعنى جعل كما صرّح بذلك في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا} [العنكبوت: 67]، ثم وصف هذا الحرم بقوله: {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شيء} أي تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي المختلفة وتحمل إليه.قرأ الجمهور: {يجبى} بالتحتية اعتبارًا بتذكير كل شيء ووجود الحائل بين الفعل وبين ثمرات، وأيضًا ليس تأنيث ثمرات بحقيقيّ، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد لما ذكرنا، وقرأ نافع بالفوقية اعتبارًا بثمرات.وقرأ الجمهور أيضًا: {ثمرات} بفتحتين، وقرأ: {أبان} بضمتين، جمع ثمر بضمتين، وقرىء بفتح الثاء وسكون الميم {رّزْقًا مّن لَّدُنَّا} منتصب على المصدرية؛ لأن معنى {يجبى} نرزقهم، ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول له لفعل محذوف، أي نسوقه إليهم رزقًا من لدنا، ويجوز أن ينتصب على الحال، أي رازقين {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لفرط جهلهم ومزيد غفلتهم وعدم تفكرهم في أمر معادهم ورشادهم؛ لكونهم ممن طبع الله على قلبه، وجعل على بصره غشاوة.وقد أخرج الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معًا في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} قال: نودوا: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني.وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا.وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عنه من وجه آخر بنحوه.وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، وأبو نصر السجزي في الإبانة، والديلمي عن عمرو بن عبسة قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} ما كان النداء، وما كانت الرحمة؟ قال: «كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، ثم وضعه على عرشه، ثم نادى: يا أمة محمد، سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا عبدي ورسولي صادقًا، أدخلته الجنة» وأخرج الختلي في الديباج عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعًا مثله.وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن حذيفة في قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} مرفوعًا، قال: نودوا: يا أمة محمد ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعًا: «إن الله نادى: يا أمة محمد أجيبوا ربكم» قال: «فأجابوا وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا: لبيك، أنت ربنا حقًا ونحن عبيدك حقًا، قال: صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقًا، قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلاّ الله دخل الجنة» وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الهالك في الفترة يقول: ربّ لم يأتني كتاب ولا رسول» ثم قرأ هذه الآية {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} الآية.وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {قَالُواْ سِحْرَانِ تظاهرا}. إلخ.قال: هم أهل الكتاب {إِنَّا بِكُلّ كافرون} يعني: بالكتابين: التوراة والفرقان.وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو القاسم البغوي والباوردي وابن قانع الثلاثة في معاجم الصحابة، والطبراني وابن مردويه بسندٍ جيد عن رفاعة القرظي قال: نزلت: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} إلى قوله: {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} في عشرة رهط أنا أحدهم.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} قال: يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب.وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بالكتاب الأوّل والآخر، ورجل كانت له أمة، فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوّجها، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه، ونصح لسيده» وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المسيب ومسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن قوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب لما امتنع من الإسلام.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس: أن ناسًا من قريش قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن نتبعك يتخطفنا الناس، فنزلت: {وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ} الآية.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شيء} قال: ثمرات الأرض. اهـ.
|